التصنيف: المقالات
أعداء النجاح
في غمرة مشاغل الحياة ينتابك ذلك الشعور بالملل والرتابة ، تعتريك تلك النزعة الجامحة التي لا تأبه بكنه النهاية ، بل إنك للحظات معينة تتمناها ، فقد بت كليلا بهمومك وتصعداتها ، وأثقلت عاتقك بالتزامها في استماتة لتلبية حاجات وسد متطلبات وتنظيم كل ما حولك ، عدا تلك الفوضى العارمة في قلبك ، وتلك المشاعر المتمردة على وضعك وتلك الرغبة القوية في التحول عن واقع ٍ يظلمها ويظلمك .
إنك حين تفكر لوهلة بأن في انتقالك للعالم الآخر خلاصا من متاعبك الجاثمة على صدرك ، لن تكون لديك تلك الرهبة والوحشة من حقيقة الموت بل ستكون غريزيا مرتاحا لذكر النهاية التي ستتوقف معها معاناتك وتهدأ آلامك وتخرس ضجيج النهيم الصاخب بين جدران صدرك وتلك الأماني اليتيمة التي تقبع بين حنايا أضلاعك ، وستصمت آهاتك إلى الأبد وتخمد شرارتك وتكمد بها جراحاتك المتفاقمة وبذلك تنتهي عذاباتك الدنيوية .
هناك أناس خلق الواحد منهم ليجد له أعداء في كل زاوية يتربصون به ويحدقون بأعينهم فيه ليذكروه أنك لا تزال على موعد مع تلك المشاعر البغيضة من الكراهية التي تعج بها قلوبٌ سوداء حالكة الظلم والظلام إلا من أشباح الحقد الأعمى الذي لا يعلم من أين جاء وإلى أين سيصل ؟!
أنك محط حنقهم على الحياة يصبون عليك جام غضبهم ، لا لشيء إلا لأنك لم تحز على رضاهم ولم تكن أهلا لتلك المرتبة العالية والمقام السامي والدرجة الرفيعة من قبولهم واستحسانهم ، فأنت لا تستحق تلك المنحة العظيمة المباركة ولم تظفر أقله بـ (( لا مبالاتهم )) لا أتكلم بالألغاز إنما عنيت أنهم من القوم الذين لا يتركونك وشأنك حين لا ترقى الى أذواقهم وإنما ينالك منهم شرف أذاهم وسخريتهم فقد أبت عليهم أنفسهم إلا أن يسعوا ويحثوا الخطى ويغذوا السير ويواصلوا الكفاح ويبحثوا في الأساليب والخطط والتدابير الماكرة الخبيثة لإقصائك وليس مجرد إبعادك عن طريقهم .
أتعرف لماذا ؟ لأنك تشكل لهم هاجسا يعكر صفو مشربهم وكابوسا يقض مضاجعهم ويؤرق راحتهم وقذىً في أعينهم بل شوكة عريضة غصت بها حلوقهم
ألا تعرف مالسبب في هذا كله ؟؟
إنك شخص غريب عن أمزجتهم ممل في طبعك العفوي و تلك المعنويات المرتفعة لديك رغم مآسيك وذلك القلب الكبير النابض بالحب لكل من يلتقيه وتيك الأخلاق الكريمة التي ترعرعت عليها ولازمتك كظلك فبات من الصعب جدا عليك انتزاعها من تحت جلدك !
الأخلاق .. التي رباك عليها صاحب الفضل في وجودك بعد الله تمنعك من الدخول في معمعة الجدال العقيم معهم والتي عززتها تجربة انسانية شربتها مرارة وقذىً واليوم ترتشف من إحدى ثمراتها معسولا تجد حلاوته في عقلك يكبح غضبك ويكظم غيضك ويربت على كتفك ويقول هدئ من روعك فأن مجرد الإكتراث لعدوك هو المنزلق الذي يصل بك الى تشفيهم منك !!
ويبقى الفرق بينك وبينهم أنهم أشخاص قد أفرغت عقولهم من لبها وتقوقعت قلوبهم على غبها ، ورفّهت أبدانهم بعبها ، فلا تستغرب ان لم يستوعبوا مكانتك ولا تتعجب إن لم يدركوا قيمتك .
إنهم لم يتجرعوا مثلك مرارة الحياة والحرمان من الأحبة وفقد الأعزاء والغربة عن الأهل ، ولم تلسعهم سياط التسلط والقمع ورغبة الاضطهاد وشهوة الإستبداد ولم تتمرغ وجوههم في وحل ذلّ الأقدار ولم تتعفر جباههم بالغبار ولم تصفد أيديهم بأغلال سجانٍ جبار .
يناصبونك العداء لأنك تؤمن بالصراع من أجل البقاء
يزعجهم نجاحك أينما حللت بالأرجاء والأنحاء
فأنت نجم لامع على الأرض لا في السماء
متألق متجدد لم يهزمك العناء وثقل الأعباء
لكنك لن تأسف ساعة الرحيل إلا على الأحباء
قلوب زرعتها خيرا ونماء
وسقيتها بينبوع الصفاء
فأزهرت حدائق غناء
في قلوب الأخوة والأحبة والأصدقاء .