Almuhajra

الشاعرة

تعويذة الخلاص

سيدي ... كنت دوما تستقطب الأنظار بتفردك بموهبتك بغموضك وتستهوي العقول بحزنك بوحدتك بغلظة عجوز يخبئ وراء تحجره طفلا أجمل ما فيه ضعفه واحتياجه ، كنت أرقبك من بين الألوف المؤلفة وأنت محاط بتلك الهالة النرجسية وكأنك طيف ملاك منزه تتوق نفسي للاقتراب منه وفهم كينونته لكني لا أملك سوى جمع أجزاء صغيرة من تفاصيل روحك التي تنثرها بين السطور وكأنها حبات من اللؤلؤ انخرطت الواحدة تلو الأخرى وظللت أبحث عن خيط الذهب الذي كان ينظمها فما اهتديت اليه وانما أضعت ما جمعته من لآلئ خلال بحثي عنه حتى اقتنعت بأن أتوقف وأنحني طواعية لحكم الزمن وأخفض تلك الهمة وأكبت ذلك الشوق أو بالأحرى الانبهار بوهجك وسحر رجولتك وسطوة صمتك وقسوة غيابك وكم كانت نفسي تستجيب لأجراس الهجرة حين تقرع وتلملم شتات الأسئلة التي لا تجد إجاباتها وترحل يقلها قطار الأيام وتظل تحت تأثير الاستكانة وسكر الاستسلام حتى تفقد ذاكرتها وتسلو عن علامات الاستفهام وتبقى صفحاتها بيضاء ملئى بالفراغ القاتل حتى يدق ناقوس محطة جديدة سبقتها محطات شتى لكني هنا أرى حشدا كبيرا وجمعا غفيرا حتى أتبين تلك الهالة فأدرك أن ملاكي المنشود يمارس سحره المعهود في سلب الألباب ووأد كل جواب ، فيخفق قلبي سرورا بهدايا الزمان وعفو الايام ، فيدفعني فضول الإعجاب لأسترق النظر وأطيل التأمل بين الحشود ثم أعود راضية بإطلالة قصيرة على حلم مفقود غير منشود .
سيدي ... لا أعرف ماذا حل بي وبك ؟ فقد هجرتُ حتى نسيتك مع من نسيت من الناس ، وأنت اغتربت وارتحلت حتى بت وحيدا يائسا ..
وحين شاءت الأقدار واجتمعنا في احدى محطات اللقاء العابر تحدثت الي وأخذت تسرد لي قصتك وضياع محبوبتك
حاولت أن أواسي حزنك لكني أعرف انك متيم بامرأة سلبتك لبك قبل أن ترحل وغادرتك رغما عنها مجنونا هائما أضناك طول السهر ونالت منك براثن اليأس .

ثم افترقنا من جديد بعد أن أدركت أن في هذا الزمن رجال تغلبهم صروف الدهر وتكسر ظهورهم بل تحيلهم أجسادا خاوية تجيء وتروح ولكن بلا روح .

لم أكن أفضل منك حالا لكني أحمد الله على نعمة الأمل
وعلى روح متجددة كنت أخشى لفترة طويلة أنها تحتضر لكني ما لبثت أن استقبلت الحياة من جديد وسخِرت من كل أحزاني وعذاباتي وركلت بقدمي أحجار العثرة حتى أشق طريقي وأكمل مسيرتي من جديد .

عقد لآلئك الساحرة انتثر بين يدي فأبيت إلا جمعه و كلما نظمت بضعا منها انخرطت في حجري فعلمت مدى تقصيري لكني بعد فترة جمعتها ثم أطلت النظر إلى بريقها فأدركت أن تلك القيود التي طالما خنقت حريتي هي التي زينت نحري
ولن تحل عقدها الا بيد ساحر ينفث فيها تعويذة الخلاص .


المهاجرة
الثلاثاء : 25/5/1430هـ

مشاركة على مشاركة على
العودة إلى قائمة الخواطر