دخل فجأة فرآها تجلس بين أخواته ، شهق ونطق اسمها لا شعورياً وتراجع خطوتين إلى الخلف واضعا يده على فمه
عاد و كان لسانه يلقي سلاما عابرا وعيناه تحكي قصة فقد بات قديما
وهي اختزلت كل مشاعرها العظيمة في ابتسامة وسلام
حاولا قدر الامكان أن يبدوان طبيعيان حتى لا يساء فهم تعابير الفقد التي ارتسمت عن أول لقاء بعد ربع قرن من الغياب
منذ كانا طفلين هي تكبره بعامين لكنه شديد التعلق بها كان يفضل اللعب معها على الأولاد وهي تفضل صحبته عن البنات .. !!
حضرت زواجه وانهمرت دموعها وانفطر قلبها فرحا وقهرا من كونها في عرسه واحد من الناس وهي التي كانت وهو الذي كان ..
ما اتكلم عنه ليس عشقا ولا هياما ولا غراما .. انه المحبة الطاهرة الأخوة وبلهجتنا المحلية ( الغلا على وضح النقا )
الكل لاحظ ردة فعله وهي كانت ماهرة جدا في اخفاء مدى شوقها له خوفا من سوء الفهم
كان أكثر من أخ كان صديق الطفولة كانت اهتماماتهما مشتركة في زمن حياة بسيطة فطرية
عاشا معا كل يوم وكل لحظة كل اشراقة شمس تجمعهما مع البقية فليسا الا ثنائيا من مجموعة
كانا يصنعان الفرح لمن حولهما
كانا يخترعان لكل يوم لعبة
الوقت لا أهمية له مادام الجميع منشغلين
الجو مشمس غائم ماطر عاصف لا تأثير له عليهم
لم يخطر في بال اي منهم أن القدر يخبئ لهم فراقا يصل الى ربع قرن من الزمان
لقد كان كل منهم يستيقظ على تفاصيل وجه الاخر ويحفظه عن ظهر قلب
لم يستوعب أن رفيقة الدرب ستغيبها كف القدر أبعد مما يخطر بالبال
كانت صدمة مؤلمة تركت جرحا يصعب البوح به
فالمجتمع قاسي لايعترف بألفة ولد لبنت
كثيرون في مجتمعنا عاشوا أجمل طفولة حرة كطهر الماء
لكن التقاليد خنقتهم حولتهم من أطفال سعداء الى مراهقين مقموعين ثم جزءا من حياةلم يتمنوها مسيرين لا مخيرين
يا الله كم هو موجع أن ترى بعد ربع قرن أقرب وأحب صديق شاركك سنين عمرك الاولى
لكن تراه كالغريب لا تجرؤ حتى على تفقد أحواله !
لو أزاح الزمن ثقله وتناسينا ما جرى لنا وتوقفنا عند من كنا وماذا كنا لانهال كل منا على الاخر بهل تذكر وهل تذكرين وأرأيت كيف هو فعل السنين’
هي .. أغلقت عينيها سافرت للماضي تتأمل ملامح طفل ذو خدود وردية وعينان براقتين وشعر مفلفل .. آه كظمتها ..
إلى أين ذهب صديقي بل أخي و قطعة مني ؟ .. هل بقي من تلك الروح الجميلة شيء .. بقي منه مثل مابقي مني .. ذكريات زمن جميل لن يعود .